الكاتب: جمال ميعاري
أحاول أن لا أبتلي بكورنا لأني أعرف حجم البلوى وشكواها وتظلمها وقبلها معاناتها، بل أهرب إلى الخلف كي لا أنقل هم المرض إلى واحد من أبنائي، ثم إلى الأسرة بكل عناوينها، كغيري ممن تبقى من بشر أستعد للخروج، أتحصّن بمعداتي، بخوذتي، بسلاحي، بقناعٍ على وجهي يحرمني حتى رائحة النساء.
أخرج إلى دكان قريب هنا من بيتي، لم يعد أبو العبد أو أبو خالد كما كان، بل صار أبو سيرغي وأبو إيفان هناك في إحدى العواصم الأبية تسأله عن سعر البطاطا، لأننا ننوي أن ندلع أنفسنا اليوم، سنشويها على محيط نار تضيق به أزقة المخيم، لكن صدره محيط بكل شيء، ويستوعب كل شيء، دون أنين أو تظلم أو شكوى إلى هنا وهناك.
ساومني على السعر وهو يجهل أنني ابن مخيم وأبو علي يعرفني، وأبو فلاديمير يجهلني، قاوحني وقاوحته، وأغريته فحاول أن يكسر كبريائي، لكنني غلبته لأني أعرف نقطة ضعفه، لأنني ما زلت ابن مخيم وابن أبي علي وعمي أبو خالد وجاري أبو العبد.
رفعت جنيهاً فلسطينياً من جيبي ولوحت به، كما لو أنني لا زلت أحمل ذلك المفتاح الذي ورثني إياه أبي عن جده، عن تلك القرية التي كانت تسمى البروة، ولا زالت سيدة النساء،
طمع الرجل أو ربما هو يحب الماضي، وربما يعرف شيئاً عن تاريخ الجنيه ومنحني هديتي، فاحتضنتها وأنا لم أخسر أي شيء، لأن لدي عشرات الذكريات من الجنيهات ومئات المفاتيح لتلك القرى أخوات البروة البريئات، ركضت مسرعاً عائداً أحتضن حبة البطاطا، لأجلس سوياً مع أبناء المخيم الثلاثة على تلة هناك، أو حرش هنا، نشعل النيران لتحتوينا وحبة البطاطا تكفينا. وأنا أقص عليهم عن أبو إيفان وأبو سيرغي وأبو فلاديمير، وهم هائمون يأكلون، ومتأكدون أنهم وأنا أبناء أبو خالد، أبناء هذا المخيم، ويوماً ما سنعود إلى هنا كسياح ليس أكثر.
تحرير: ولاء أبوبكر