المدونة

مشهدان متناقضان

الكاتب: الإعلامي جمال ميعاري

أخذاني بعيدا تحت مظلة في بلد لا يعرف الدفء… ولا الشمس… ولا حتى دقات المطر فجرا على شبابيك بيت يودع الزمن لكنه بيت…. ومأوى… وملاذ… وحضن وهوية ووطن… وبلا مفتاح وبلا قفل…

أخذاني أبعد من ظلهما أو ظلمهما… وربما أبعد كثيرا…. أخشاهما كثيرا ولن أتحدث عنهما…. لكنهما هناك كانا وسيبقيان… وسينتظران… لأنهما أنا.

أجري وأسارع الخطى كي أشتري قليلا من الحليب لأمي من تلك البقرة التي لا زلت أعشقها… أتذكرها… وأحن إليها…. أو ربما كي أغازل ثدييها كي تمنحني بعضا من ذلك الشيء الموعود… وربما هو ذكر هناك في الكتاب الأخضر وأنا لا أدري….

ولكني أعود إلى واقعي… بعيدا عن أمي وعن تلك البقرة وعن الثديين أكثر وأكثر…فأنا أريد أن أخلي مكاني إلى جندي آخر… إلى فارس مغوار… أو ربما إلى كومبارس أو بيدق يعتقد أنه لا زال أنا…

أختبئ في مكان ما…

هما ليسا مشهدين… بل مشاهد تؤرقني… وأنا أهرب من الأرق…. من الضجيج… من العتمة… من الأنا في داخلي… أهرب من الأزقة… من التوهان… من مخيم لا زال يحاصرني وهو لا زال محاصرا وفيه شهيد أتم اليوم عقده الأول… من ليل لا زال يسهر ويسكر وينتظر الفجر أو اللافجر…

فأنا لم أعد كما كنت…
ولن أختبئ بعد اليوم… ولن أهمس بشفتاي…. ولن أصمت….
سأقول في حاضرتك المزعومة… أنك لا شيء… وأنا كل شيء كنت وسأكون… رغم كل الحصارات وكل المخيمات.

Exit mobile version