من المخيم

كيف تزور البحر من المخيم ؟

بقلم: مروان جوابرة

هو وردٌ يومي تمارسه الأغلبية العظمى من أبناء المخيم، إنها طقوس تؤدّى يوميًا، هنا في هذه البقعة الجغرافية الضيقة التي تكاد لا تتسع لساكنيها، شمال مدينة الخليل من الضفة الغربية المحتلة، يقع مخيم العروب على شارع 60 الإستيطاني.

أستيقظ من نومي باكرا، وأنطلق قبل ساعة من موعد عملي تجاه “الشارع الالتفافي”، بائع القهوة الذي اعتاد الوقوف هنا لسنوات تجد في قهوته طعمًا وسرًا مختلفًا، أطلب كوبًا من القهوة المرة، كمرارة حالنا، سوداء كالبرج العسكري الذي يحجب ضوء شمس الصباح عن أهل المخيم.

في الدقائق الأولى من الساعة ذاتها، أرتشف القهوة، وأمعن النظر في مشهدي اليومي، أرى البرج كفنار وسط البحر؛ البحر الممتد على مساحة 240 دونمًا، مليئاً بالقوارب المتلاصقة على بعضها، فلا ترى منها سوى التصاقها، كان هذا حديث أحد الأغلبية ممن يرتشفون القهوة.

أنهي كوبي الأول، أحتاج المزيد لفهم ما دار من حديث أمامي، الحديث يصف الحالة الرثة التي نعيشها نحن أبناء المخيم، حيث لا يوجد مقهى، ولا متنزهًا، ولا مركزا ثقافيًا اجتماعيًا، ولا حتى متنفسًا يحمل أحلامنا، فلا نجد ملجئًا سوى “الشارع الالتفافي”.

يفتقر مخيم العروب لمركز شبابي يوفر جوًا من الحيوية، أو فرصة للظهور، ويفتقر أيضاً لمسرحٍ يضم من لديه موهبة تمثيل، أو مركزًا موسيقيا يحتضن من يحبون العزف، أو نادياً رياضياً يجمع شمل اللاعبين المتفرقين بين مختلف أندية الضفة الغربية؛ لذلك يلجئ الشبان في المخيم للبحث عن أقرب مركز مدينة لتنمية مواهبهم أو حتى عيش أبسط أحلامهم كملعب كرة قدم أو مسرح فارغ أو حتى مقهى مسائي يستوعب دندنات عود لم تجد مكان لها في المخيم.

بعد عناء.. توقفت سيارة الأجرة، لتقلني إلى أقرب نقطة من مركز المدينة، أكمل يومي كالمعتاد، وأغرق في تفاصيل عملي الكثيرة، وسرعان ما يمر الوقت.. أحزم أمتعتي الشخصية البسيطة قاصدًا مركز المدينة مرة أخرى لأصل طريق البيت في المخيم، تتكرر المعاناة نفسها في إيجاد سيارة أجرة.

“ضع حزام الأمان” حين أسمع هذه الجملة من سائق السيارة أدرك أنني اقتربت من الشارع الالتفافي، عادة ما أصل لبوابة المخيم وتكون المواجهات بين الشبان وجنود الاحتلال قد بدأت، أسلك أقصر طريق لأتفادى سؤال جنود الاحتلال وحجارة الشبان.

من نافذة منزلي المطلة على حلبة المواجهات أرى قنابل الغاز تنهمل كأمطار الخريف الأصفر مع غياب شمس النهار، غالبًا تنتهي المباراة في هذه الحلبة بطلقة نارية تستقر في صدر أحد هؤلاء الشبان، لكن من الواضح اليوم أن الجنود لا مزاج لهم لمزيد من الدم، أو ربما لم يستطيع أحد منهم أن يصيب أحد الشبان!

لا صوت.. هدوء تام، يردد صدى الصمت.. إذًا انتهت المباراة اليوم دون خسائر، أخلد إلى نومي وأنا أفكر في ذات السيناريو المتكرر الذي سأعيشه غدَاً.

Exit mobile version