يصادف اليوم، الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر، الذكرى الـ21 لاستشهاد الرئيس الرمز ياسر عرفات “أبو عمار”، الذي يُعد أحد أبرز القادة في التاريخ الفلسطيني الحديث، وصاحب المسيرة الطويلة في النضال الوطني من أجل الحرية والاستقلال.
رغم مرور أكثر من عقدين على رحيله، ما زال الفلسطينيون يستحضرون سيرة القائد ياسر عرفات الذي خاض معارك سياسية وعسكرية لا حصر لها، وقاد النضال الفلسطيني لعقود من الزمن، بدءًا من انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة وحتى استشهاده عام 2004 بعد حصار إسرائيلي دام أكثر من ثلاث سنوات لمقره في مدينة رام الله.
ولد ياسر عرفات في القدس عام 1929، وتلقى تعليمه في القاهرة حيث درس الهندسة في جامعة فؤاد الأول. شارك كضابط احتياط في الجيش المصري خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وبرز في وقت مبكر من حياته ناشطًا في اتحاد طلبة فلسطين الذي تولى رئاسته لاحقًا.
في الخمسينيات، شارك في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، وأصبح ناطقًا رسميًا باسمها عام 1968، ثم انتخب رئيسًا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط/فبراير 1969، خلفًا لأحمد الشقيري ويحيى حمودة.
سطع نجم “أبو عمار” على الساحة الدولية عام 1974 عندما ألقى كلمته الشهيرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قائلاً: “جئتكم حاملاً بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
قاد عرفات معارك عدة دفاعًا عن القضية الفلسطينية، أبرزها معركة بيروت عام 1982 ضد العدوان الإسرائيلي، حيث صمدت قوات الثورة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية لمدة 88 يومًا. وعند مغادرته بيروت على متن سفينة يونانية باتجاه تونس، أجاب الصحفيين الذين سألوه عن وجهته قائلاً: “أنا ذاهب إلى فلسطين.”
من تونس، واصل عرفات قيادة النضال الفلسطيني، ونجا في عام 1985 من غارة إسرائيلية استهدفت ضاحية حمام الشط، قبل أن يشهد عام 1987 اندلاع انتفاضة الحجارة التي دعمها ووجّهها سياسيًا وإعلاميًا.
في الخامس عشر من تشرين الثاني 1988، أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر قيام دولة فلسطين، وأطلق عرفات بعد أسابيع مبادرة السلام الفلسطينية في الأمم المتحدة، ما مهّد لبدء حوار رسمي بين منظمة التحرير والإدارة الأميركية.
وفي العشرين من كانون الثاني 1996، انتُخب عرفات رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية في أول انتخابات عامة، وبدأ مرحلة جديدة من بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية رغم العقبات والضغوط.
غير أن تمسكه بالثوابت الوطنية ورفضه التنازل عن القدس وحق العودة خلال مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 أدى إلى اندلاع انتفاضة الأقصى، لترد قوات الاحتلال بفرض حصار خانق عليه في مقر المقاطعة برام الله، استمر حتى وفاته في الحادي عشر من تشرين الثاني 2004، بعد نقله إلى مستشفى بيرسي العسكري في فرنسا، وسط شبهات قوية بتعرضه للتسمم.
رحل “أبو عمار” جسدًا، لكنه ترك إرثًا وطنيًا عظيمًا، وثوابت راسخة لا تزال تشكل جوهر المشروع الوطني الفلسطيني، وسار على نهجه القادة من بعده، وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس، الذي يواصل التمسك بمبادئ الحرية والاستقلال التي ناضل من أجلها القائد المؤسس.


