8 ديسمبر، 2025
نابلس - فلسطين
من أزقة مخيم بلاطة إلى قاعات القانون.. حكاية محمد عايد
حياة

من أزقة مخيم بلاطة إلى قاعات القانون.. حكاية محمد عايد

لم يكن الطريق إلى التعليم سهلاً أمام محمد عايد، ابن مخيم بلاطة للاجئين، وطالب القانون في جامعة النجاح الوطنية سنة رابعة، حيث نشأ محمد في بيئة مثقلة بالضغوط الاقتصادية والاجتياحات المتكررة للمخيم، حيث كانت انقطاعات الكهرباء خلال ساعات دراسته نتيجة تفجيرات الاحتلال مشهداً مألوفاً في يومياته.

لم يكن يحلم بدراسة القانون يوماً؛ فقد كان يرى مستقبله في العسكرية، لكن الظروف قادته إلى مسار مختلف. وبينما حاول التوفيق بين الرغبة والطريق الجديد، وجد نفسه مضطرًا للعمل ليلاً كموظف أمن ليستطيع توفير تكاليف تعليمه في ظل وضع اقتصادي صعب حمّل عائلته ما يفوق طاقتها.

يقول محمد إنه في فترة ما “ركض للعمل بدل الدراسة”، لكن دعم العائلة وإصرار الأصدقاء دفعاه إلى اتخاذ قرار حاسم بالالتحاق بجامعة النجاح الوطنية. هناك، وجد نفسه في عالم لم يتوقعه، وشيئاً فشيئاً أدرك أن دراسة القانون لم تكن خياراً اضطرارياً بل طريقاً فتح له أبواباً جديدة.

يقول محمد: “أنا اليوم على مشارف التخرّج بعد أربع سنوات من الدراسة التي رافقتها تحديات كبيرة، أبرزها الظروف المادية الصعبة وما مررنا به من استهداف مباشر للمخيم. فقدتُ اثنين من أقاربي وعدداً من أصدقائي، لكنني ما زلتُ متمسّكًا بالطموح والإصرار على الاستمرار. سأبقى مكافحاً ومجتهداً، وأؤمن أن أبناء المخيمات قادرون على مواجهة التحديات وصناعة مستقبلهم رغم كل الظروف”.

في أروقة الجامعة، تغيّرت شخصيته، واكتشف قدرات لم يكن يعرفها عن نفسه. تعلم أن يواجه تحدياته بعقل منفتح، وأن ينهض في كل مرة يتعثّر فيها. وفي قلب هذا التحوّل، كان دائمًا يردد لنفسه: “لا شيء مستحيل، وخاصة لأبناء المخيمات.”

يرى محمد أن الفضل الأكبر يعود لوالدته وعائلته، ولتلك الأزقة الضيقة داخل المخيم التي كبر بينها. من ضيقها تعلّم أن المساحة الحقيقية للنجاح لا تصنعها الجغرافيا، بل الإصرار. ويؤمن اليوم أن الإبداع يولد أحيانًا من أكثر الأماكن تضييقًا، وأن الفلسطيني ابن المخيم قادر دائمًا على إعادة صياغة مستقبله رغم كل شيء.