في مخيم العين بمدينة نابلس، تجلس أم ناصر كل صباح على عتبة بيتها المتآكل، تتأمل الطريق كأنها تنتظر عودة طيف أحد أبنائها. تمشي في الأزقة كأنها تسير بين ذكريات معلّقة.
تعيش أم ناصر كل يوم بثقل الفقد. في بيتٍ صغير متهالك، بعضه مأوى، وبعضه شاهد على وجع لا ينتهي. منذ أن توفي زوجها قبل عشر سنوات، حملت مسؤولية تربية أبنائها الخمسة وحدها تجمع بين دور الأم والأب.
كبر الأولاد، وأصبحوا شبابًا كزهور الربيع، يسندون أمهم بأحلامهم. ويضيئون دروبها بضحكاتهم، لكن رصاص الاحتلال اغتال أمير ووليد، ارتقى أمير شهيدًا، ووليد اعتقلوه مصابًا، ثم أُبلغت العائلة لاحقا بأنه استُشهد… لكنها لم ترَ جثمانه، ولم تودّعه. تعيش اليوم على أمل واحد: “إن كان حيًا، فليعد… وإن لم يكن، فليُعَد جسده على الأقل”.
أما حال ولديها خالد وعمر، فهما معتقلان، ولم يتبقَّ لها سوى ابنها الأكبر ناصر، الذي يحمل همّها وهمّ إخوتِه
تقول أم ناصر خلال حديثها مع منصة “من المخيم”: “أنا اليوم بعيش على أمل أشوف وليد، أو حتى آخد جثمانه وأدفنه بيدي. إحنا هون مش بس أمهات، إحنا صوت المخيم، الحمد لله ربيتهم أحسن تربية ربنا اعطاني اياهم وربنا اختارهم”.
ما يصبّر قلبها أنها تعيد ترتيب ذكرياتهم في غرف البيت، تنفض الغبار عن ملابسهم. ورغم كل هذا، لم تنكسر. بل تقول: “أنا أم الشهيد، وأم الجريح، وأم الأسير… وكل أم هنا تشبهني”.
حكايتها ليست استثناءً، بل مرآة لحكايات آلاف الأمهات في مخيمات اللجوء، حيث الألم مقيم، لكن الكرامة ثابتة، والأمل لا يموت..