16 سبتمبر، 2024
نابلس - فلسطين
يا طيب العود!
اخبار وتقارير

يا طيب العود!

فرعون قرية صغيرة جنوب طولكرم.


فجأة ستصبح أهم قرية يمكن أن أزورها في حياتي..

بدنا نروح ع يافا!
أكرر جملة أكرم ولا أصدق!
كيف اتحضر لهكذا لقاء!
كيف نلتقي بأحلامنا!

تبخيرة بابونج! أفضل طريقة لوجه مشرق
جدتي.. آه يا جدتي ونصائح جدتي
كدت أختنق ببخار البابونج .. لا بأس غداً سألتقي يافا بوجه مشرق.

بين كل السيناريوهات التي رسمتها في مخيلتي ..
فتحة في جدار قرية فرعون .. لم يكن سيناريو مدرجاً أبداً !

الطريق .. لا مسافة بين طولكرم ورام الله
قلبي يخفق بشدة ولا أشعر بالمسافة
رأسي شريط أغنيات
صوت بداخلي يردد: “مرّ بي خذني إليها”
“أنا من هذه المدينة”

قلبي يرّف
ورأسي شريط قصائد وأغنيات
..

“الطريق إلى الفتحات من هنا”
وصلنا فرعون وعلى جدران هذه القرية الطيبة
أسهم تدل على الطريق وشبان يقفون في الأزقة
لا مهمة لهم سوى أن يدلوا أهل البلاد على البلاد..

وصلنا!
طريق ترابية وشارع
شارع فقط
أسمعهم على الجهة المقابلة
ينادون: يافا يافا!

لماذا أتصل برائد الآن!
أشعر أنني بلا طاقة.. أنا من هذه المدينة
يرد متهكماً: شو رايحة ع يافا
أجيبه: نعم!
وأبكي كثيراً
لم أكن أعلم أن مشاوير رائد الدائمة إلى يافا
ومحاولاته المتكررة لاستفزازي
استفزتني فعلاً.. رائد أنا في يافا!

نحن في الباص الآن، أتلفت من كل النوافذ
وفي لحظة ما .. طلّ البحر من الشقوق بين البنايات

الشوفير: وين بدكم تنزلوا؟
أنا: برج الساعة طبعاً.
توقف الباص.. حقاً
الساعة الواحدة و سبعة وخمسين دقيقة ظهراً
وصلنا وصلنا.. يا إلهي
مدينة لأكرم.. مدينة له بالعودة إلى يافا.

برج الساعة لم يعد صورة معلقة على حائط منزلي وحسب!
لحظة لا تشبه الكلام
لا يترجمها الكلام
تمر في بالي كل حكايات جدّتي
أحلامي
كل شيء أحفظه
معلوماتي التي أتباهى بها
الصور التي أرسلها الأصدقاء، وأكياس الصدف
التي أهدوني إياها
تهكمهم علي
كل شيء يدور في رأسي
ويقف امام حقيقة واحدة.. أنا في يافا
لا مزيد من النصوص.

أحلا من كل الأشعار ومن كل الكتب ومن كل الصور
ليس مجازاً بل حقيقة أدركها مع كل خطوة.

أسير في زقاقها وكل شيء يبدو مألوفاً وقريباً
لا يعقل أنها زيارتي الأولى.. أنا من هنا.. أنا كنت هنا

تشبهنا ونشبهها .. ونضحك معاً على مشاهد طارئة
لأغراب يسيرون مع كلابهم على هامش الحقيقة!

أسير ولا أتعب.. أود لو ألفّها بذراعيي
أود لو يتجمد الوقت عند ساحة جامع البحر

أسير في المرفأ.. واكتشف أنني أغني
“يا مينا الحبايب يا بيروت” لماذا أغني لبيروت!
أتذكر جملة لصديقتي ونحن نسير في الروشة منذ سنوات
“يافا بتشبه بيروت” قالت.
أتذكر وقع هذا التشبيه على قلبي.
..
“مكالمة: وينك
في يافا
شو بدك تتغدي
سمك”
أنا في يافا أتناول السمك

أبحث عن حي العجمي
وفي الطريق أشرب قهوة في “مقهى يافا”
أقول مازحة أو أبدو مازحة كي لا يجد صديقنا محمود سبباً إضافياً
للتهكم: شوف حتى المقهى بشبه بيتي!
نفس البرداي الخرز اللي في بيتي!

أين حي العجمي؟ نسأل
وجدناه، لم نجد لافتة تدل عليه لكنني عرفته
هذه البيوت حتماً بيوت العجمي
هذه البيوت الممنوعة من الترميم
هذه السيدة التي تسير وسط الحي
وتردد “هنا العجمي”
هذه الشقوق .. هي الحقيقة.

أجلس طويلا أمام البحر..
أراقبنا.. أراقب كل هؤلاء الذين عادوا
أراقب السيدة التي جلست لأكثر من ساعة على الرمل دون حراك
تكرر ضحكتها كلما بلل الموج جلبابها
أجلس طويلاً
وأحمل يقيني وأصدافي معي..
أمام البحر
هذه بلادنا..
وأردد: يا طيب العود إلى يافا!

المصدر: هلا الزهيري

تحرير: ولاء أبوبكر