21 نوفمبر، 2024
نابلس - فلسطين
مجزرة صبرا وشاتيلا… القصة لم تنتهِ بعد
سياسية

مجزرة صبرا وشاتيلا… القصة لم تنتهِ بعد

مجزرة صبرا وشاتيلا ليست أولى المجازر التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، كما لم تكن الأخيرة. فقد سبقتها مجازر مثل الطنطورة، قبية، ودير ياسين، وتلتها أحداث دموية أخرى، مثل مذبحة مخيم جنين، لكن ما جعل مجزرة صبرا وشاتيلا علامة فارقة في الذاكرة الفلسطينية الجماعية هو حجم الفظائع التي ارتكبت خلالها والظروف المحيطة بها. هذه المجزرة تجسّد واحدة من أحلك الفصول في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتركت جرحًا عميقًا في وجدان الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يكافح من أجل حقوقه ووجوده.

المجزرة بالأرقام

تختلف الأرقام المتعلقة بعدد ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا بشكل كبير بين المصادر، حيث تتراوح التقديرات ما بين 800 و3500 شهيد. هذا التباين ناتج عن الفوضى التي صاحبت المجزرة وصعوبة توثيق جميع الضحايا في المخيمين المتجاورين. ففي الفترة ما بين 16 و18 أيلول 1982، نفذت المليشيات الموالية لإسرائيل مجزرة مروعة أسفرت عن إستشهاد آلاف الفلسطينيين، إذ تشير بعض التقديرات إلى قرابة أربعة آلاف شهيد وشهيدة.

رغم اختلاف الأرقام، تبقى المجزرة واحدة من أفظع الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، وسط صمت عربي ودولي أثار استياءً واسعًا، ولم يتم تحديد عدد الضحايا بدقة حتى اليوم بسبب الظروف التي أحاطت بالجريمة.

ماذا حدث ؟

بدأت المؤامرة على الفلسطينيين العزّل في لبنان بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية والفدائيين من بيروت أواخر آب 1982، متوجهين إلى الأردن والعراق وتونس واليمن وسوريا والجزائر وقبرص واليونان. هذا الخروج ترافق مع انسحاب القوات متعددة الجنسيات، حيث غادرت القوات الأميركية في 10 أيلول 1982، تلتها الإيطالية في 11 أيلول، والفرنسية في 13 أيلول، قبل موعد انسحابهم الرسمي بعشرة أيام. رغم وجود ضمانات أميركية واتفاق فيليب حبيب الذي تعهد بعدم دخول جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى بيروت الغربية، وضمان حماية المدنيين الفلسطينيين وعائلات الفدائيين الذين خرجوا من المدينة.

تفاصيل المجزرة.

في 15 أيلول 1982، حاصرت قوات الاحتلال الإسرائيلي حي صبرا ومخيم شاتيلا، وراقبت كل حركة من عمارة احتلتها، لتبدأ في فجر 16 أيلول بإعطاء الأوامر للميليشيات الموالية لها، بينما ألقت الطائرات قنابل ضوئية لتسهيل عمليات القتل. استمرت المجزرة ثلاثة أيام، حيث شهد صباح 17 أيلول معالم القتل الجماعي، إذ استخدمت الجرافات لهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، فيما حاول بعض السكان الفرار عبر مستشفيات عكا وغزة، بينما قُتل آخرون داخل بيوتهم أو في الشوارع.

في اليوم الثالث، 18 أيلول، استمرت عمليات القتل والخطف حتى بعد صدور أوامر الانسحاب، مع تنفيذ إعدامات جماعية واعتقال العديد من الفلسطينيين، الذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم. ولم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل سرق أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني يوم 19 أيلول، ليطمس جزءًا مهمًا من ذاكرة الشعب الفلسطيني.

عدالة مفقودة

رغم بشاعة مجزرة صبرا وشاتيلا، لم يُقدَّم الجناة وقادتهم إلى أي محكمة دولية، ولم تُفرض عليهم عقوبات قانونية، بل اقتصر الأمر على تشكيل لجان تحقيق خلصت إلى نتائج لم تُتبع بإجراءات قانونية. في عام 1982، شكّلت إسرائيل لجنة تحقيق قضائية للتحري في ظروف المجزرة وتحديد المسؤولين عنها. هذه اللجنة المستقلة، التي عرفت بـ”لجنة كاهان”، ضمت ثلاثة أعضاء.

خلصت لجنة كاهان إلى أن المسؤول المباشر عن المجزرة هو إيلي حبيقة، الذي كان حينها قائدًا لمليشيات حزب الكتائب اللبناني. لاحقًا، قُتل حبيقة في تفجير سيارة مفخخة في بيروت عام 2002. كما أكدت اللجنة أن وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، أرييل شارون، بالإضافة إلى عدد من كبار ضباط الجيش الإسرائيلي، كانوا مسؤولين بشكل غير مباشر عن المذبحة. وبعد إعلان نتائج التحقيق، أُجبر شارون على الاستقالة من منصب وزير الدفاع، لكنه احتفظ بمنصب وزير بلا حقيبة في الحكومة.

انتقدت اللجنة رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن ووزير خارجيته إسحق شامير ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات على تقصيرهم في منع أو إيقاف مجزرة صبرا وشاتيلا. من جانبها، وجدت “لجنة ماكبرايد” أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الأكبر عن المجزرة، متهمة إياها بالمشاركة في التخطيط والتسهيل، بينما قامت المليشيات اللبنانية بتنفيذها.

القصة لم تنتهِ بعد

تتناثر الأحجار والكلمات بين أروقة الذكريات، فيما الأجيال الجديدة تعيد بناء الأمل من جديد. صبرا وشاتيلا، كانت شاهدةً على أوجاع التاريخ، لكنها أيضاً رمز لقوة البقاء والصمود. اليوم، بينما نتجول في أزقة هذه المخيمات، نكتشف أن القصص القديمة تُنسج ببطء من جديد.

إن صبرا وشاتيلا ليسا ستُذكّرنا دائماً بأن القصة لم تنتهِ بعد.