21 نوفمبر، 2024
نابلس - فلسطين
عودة لطفولة و بؤس المخيم (8)
المدونة

عودة لطفولة و بؤس المخيم (8)

أن تنتزع من بيئة أصدقاء الطفولة و ذكريات البيت ليس بالأمر الهين، فانتقالنا لبيت آخر في المخيم، أخذنا بعيداً عن البحر الذي كان يشكل نصف حياتنا و نحن أبناء المخيم الذي لا يوجد به مكان واحد لممارسة الهوايات سوى نادي خدمات الشاطئ، و الذي يقع في جنوب غرب المخيم و أيضاً محاذياً للشاطئ فأصبح بعيداً.

بينما كنا قبل ذلك في بيتنا الذي هدم، نلبس شورت السباحة في البيت، الذي غالباً ما يكون إما شورت من ملابس إغاثة الوكالة أو كلسوناً تخيطه أمي من قماش أكياس الطحين الذي نتسلمه من وكالة الغوث، ونمشي ما لايزيد عن مئتي متر حتى نكون على الشاطئ، فنسبح و نلعب و نشارك أحياناً في صيد السمك.

أجسامنا خلال أشهر إجازة الصيف التي كنا نمضيها كل ساعات النهار على البحر تصبح محروقة و أكثر من برونزية دون أي معالجات للجلد، ربما كنا نحتاج أحياناً براهم للحروق الجلدية يوفرها أبي من عيادة الوكالة، أما الآن فأنت في حارة جديدة، لا تعرف إلا القليل من جيرانك، حتى الملاصقين للبيت مر وقت حتى تكونت معهم بعض العلاقات، ربما هذه الفترة و التي ترافقت مع مرحلة المراهقة، أثرت كثيراً على سلوكي الاجتماعي حيث انحصرت علاقاتي مع عدد قليل من أولاد الحارة، و تركزت في إطار التعاون أو التنافس المدرسي.

كنت أراقب أخي سمير الذي يكبرني بعامين وأشهر و هو يبني غراميات الصبا و أسمع عن شغفه للسينما مع صديقين مقربين له، هما: حميد حميد و هو قريب لنا و نبيل جبر، و كذلك مع صديق من عائلة أبو خاطر عمل كما أذكر خياطاً ثم مدربا للسواقة، و مؤخراً انتقل للعيش في أريحا و انقطعت عني أخباره.

كان سمير و حميد ونبيل كل يوم أحد حيث يعرض فيلم جديد في السينما، يتغيبوا عن المدرسة لحضور هذا الفيلم في سينما الجلاء التي لم تكن قد أغلقت بعد، الأمر الذي أغضب المدرسين فشكوهم لمدير مدرسة فلسطين الثانوية صادق حلس ، فاستدعاهم موبخاً، ليتعهدوا له بأن كلمة شرف آخر مرة سيذهبوا للسينما يوم الأحد، وعندما جاء الأحد القادم و تغيبوا عن المدرسة، وعلم الناظر بأنهم خدعوه و لم يلتزموا بالتعهد الذي قطعوه على أنفسهم، أجابوه نحن لم نخدعك فقد ذكرنا لك أن كلمة شرف آخر مرة، و هذا ماتم، فقد حضرنا فيلم كلمة شرف لفريد شوقي و هذه هي الآخر مرة!!!.

لم يكن أمام صادق حلس سوى أن يضحك، و هو المربي الجاد و الغاضب دائماً و تهابه كل مدرسة فلسطين الثانوية العريقة بمدرسيها قبل طلابها، و ذلك قبل أن تمزق إدارة الحكم العسكري هذه المدرسة النوعية لثلاث مدارس، هذه قصة سمير و السينما كما كان يرويها الثلاثة حميد رحمه الله، و نبيل الذي لا أعرف أين ألقت به الدنيا، و سمير الذي دفعته الحياة للجوء جديد في السويد بعد أن تقاعد طبيباً من وزارة الصحة بغزة ، بينما ظلت علاقاتي محصورة مع ابن عمي ماجد و الذي كان للتو قد عاد من بلغاريا و عبد الكريم المقادمة ابن عمة ماجد و إبراهيم السويطي.

كنت أمضي ساعات طويلة في الدراسة ، ففور عودتي من المدرسة أتناول الغداء التي تكون قد جهزته أمي و أخرج للتلال الرملية شمال دار عمي المختار أبو مصطفي و دار العسلي المجاورة، لأمضي ساعات طويلة أراجع الدروس التي أخذناها وأحضر لدروس اليوم التالي، و لا يخلو الأمر من روايات دار التقدم التي يعطيني إياها أبو مازن صالح زقوت أو بعض القصص و الروايات التي بدأنا نتبادلها مع طلاب صفي، طبعاً سنوات المراهقة المكبوتة بكل تفاصيلها التي تُحكى و لا تحكى و ككل أبناء المخيم الذين وسمتهم تلك المرحلة بمراهقات الحب الأخرس الذي يقتصر على تبادل النظرات و كلمات التودد و الغرام التي يتم تبادلها بقصاصات ورقية.

أمر وحيد لم أفعله أنني لا أذكر أن ذهبت يوماً لمدرسة البنات كي ألاحقهن الشئ الذي كان شائعاً للتعبير عن المراهقة و قصص الحب، فقط سمير الذي كان يملك جرأة العلاقة مع بنت الجيران، أو هكذا كان يهيأ لي، و الآخر حسين حماد المطارد في قوات التحرير الشعبية الذي كان يحضر لحارتنا الجديدة و يطلق طلقة من مسدسه فيلتزم الجميع البيوت إلا جارتنا التي كانت حبيبته فيجلس معها، و ظل الناس ينظرون إليه بغير احترام إلى أن استشهد بعد مقاومة بطولية كما ذكرت.

مع الأيام بدأت علاقتنا تتسع مع شباب الحارة، فشكلنا فريقاً لكرة الطائرة و حولنا قطعة أرض فارغة لملعب لهذه الرياضة، كان الفريق من أعمار مختلفة أذكر منهم: ماجد زقوت، وجميل الطهراوي الذي كان رساماً، وأمين حميد، وعبد الحكيم أبو نحل، وعبد البديع حميد، وعبد الكريم و أنا الذي كنت أقصرهم باستثناء ماجد و آخرين أرجو أن تسعفني الذاكرة بأسماءهم.

كان أخي منير الذي لم يكمل الثانوية و تعلم الخراطة و البرادة في معهد الوكالة للتدريب المهني كي يساعد والدي في القيام بواجبات البيت و تعليم أخوته، قد تعين مدرباً أو مدرساً في مدرسة الإمام الشافعي الحكومية للتدريب المهني لعدة أشهر، إلا أنّ سلطات الاحتلال طردته من العمل بعد اعتقاله فانتقل للعمل عاملاً في مصنع للخراطة و البرادة في منطقة يازور الصناعية، و لمنير قصص هامة في حياتنا جميعاً بعد بشير الذي كان أيقونة الجميع و سيكون له أثر في حياة الأسرة كلها في حياته و بعد استشهاده…يتبع

صورة قديمة لمخيم الشاطئ في غزة
صورة قديمة لمخيم الشاطئ في غزة

المصدر: جمال زقوت

تحرير: ولاء أبوبكر