إعداد: وصال الشيخ
تواجه المخيمات الفلسطينية في الشتات وداخل الأراضي الفلسطينية مصيراً مغايراً في ظل “اتفاق الإطار” الذي أبرمته وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وبين الولايات المتحدة في آب/ أغسطس الماضي.
هذا الاتفاق يضع شروطاً على إعادة تمويل الوكالة بما يفرّغ الحالة السياسية والوطنية للمخيمات باعتبارها الشاهد الأخير على نكبة الـ48 ونكسة الـ67، ويفرّغ ذاكرة الفلسطيني ابن المخيمات من حقه في العودة إلى بلاده الأصلانية.
إن إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا، جو بايدن، لم تغيّر إرث اليمنيين الترامبيين تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وتقوم إدارة بايدن سياسياً وبشكل ناعم وخفي بدعم التوجه الصهيوني في تحويل فلسطين إلى دولة ينمحي فيها الفلسطينيين، هوية وأرضاً وذاكرة وحاضراً.
غير ذلك، تقوم دولة الاحتلال بتحريض واسع على المخيمات أساساً وعلى الأونروا العاملة فيها وعلى موظفيها.
إن شروط التمويل المفروضة على وكالة الغوث تنبهت لها مخيمات الضفة، في جنين على سبيل المثال رفض الأهالي شروط الوكالة في مخيم جنين، كما رفض أهالي مخيم الدهيشة في بيت لحم التساوق مع ما تفرضه الأونروا.
خدمات بطعم الانسلاخ
تقدم الوكالة خدمات عدة للمخيمات، أهمها التعليم، الصحة، التوظيف، التعمير، وغيرها. ومقابل هذه الخدمات هناك خروقات تقوم بها الوكالة تجاه أهالي المخيم وذاكرتهم الجمعية- السياسية والوطنية. عندما يرسم رمز العود (المفتاح) فوق جدران مخيم جنين، تستنكر مباشرة الوكالة هذا الرسم وتطلب الأهالي مسحه مباشرة من فوق الجدران.
في موقف رسمي، اجتمعت منذ أيام مكونات اللجنة الوطنية العليا للدفاع عن حقّ العودة، وتوقفت على قرار الإدارة الأمريكية الرامية إلى عدم الإقرار بحقوق الشعب الفلسطيني.
وقالت اللجنة الوطنية أن اتفاق الطرفين (أمريكا والأونروا) “فيه محاولة جديدة لحرف وكالة الغوث عن المسار الذي أنشأت من أجله عام 49، وقرار تأسيسها الصادر عن الأمم المتحدة رقم (302)”. حيث يشكل ابتزازاً سياسيأ ومالياً واضح من قبل الإدارة الامريكية بتقديم المساعدات المشروطة لتغطية العجز المالي التي تعاني منه وكالة الغوث، ويتضمن الاتفاق بنوداً ونقاطاً تمكن الإدارة الامريكية من السيطرة على الأونروا أسيرة للمواقف وتحت ضغط دائم والخوف من إمكانية قطع التمويل الأمريكي، والتساوق مع رغبات الاحتلال.
ماذا تفرض الاتفاقية الموقعة؟!
تفرض الاتفاقية آلية جديدة في توزيع المساعدات على اللاجئين الفلسطينيين، مغمّسة بروح الاستلاب والأسرلة، ومنها “عدم تقديم أي مساعدة من المساهمات الامريكية إلى أي لاجئ يمارس عملاً “إرهابيا”، أو إلى “الذين يثبت انتمائهم لجيش التحرير الفلسطيني أو من تلقى تدريباً عسكرياً”.
كما وضعت الاتفاقية شروطاً على موظفيها وأفرادها في استخدام الحياد بشأن الأمور السياسية عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتضمن الاتفاق أيضا بنوداً تجيز “التدخل في المصطلحات والمناهج التعليمية وحذف أي محتوى لا يتناسب مع توجه الاحتلال، ومراقبة المؤسسات من خلال زيارات تفتيشية، والتزام بتقديم لوائح أسماء موظفي الأونروا الى الحكومات المضيفة بما في ذلك السلطات الفلسطينية وسلطة الاحتلال، إذ يشترط على إدارة الوكالة تقديم تقارير مالية وأمنية كل ربع سنة وبنودًا تتعلق بالموظفين وضمان الحيادية في عملهم وعمل الوكالة“.
في هذا السياق، أوقفت إدارة الوكالة بالفعل عدداً من الموظفين، تحت مبرر خرق مبادئ وقوانين ونظم الحيادية، والتحريض على العنف وإثارة الكراهية.
وقال مدير العلاقات العامة في اللجنة الشعبية بمخيم جنين، علاء جبر، لمنصة “من المخيم”: “اعترضت كافة المخيمات على هذا الاتفاق بشكل رسمي، إضافة لمخيم الدهيشة، وكان لنا لقاء مع مدير عمليات الوكالة، غوين، وبلغناها باعتراضنا، وأوضحت أن لقاءً مع الحكومة ورئاسة الوزراء ووزارة الخارجية ليتم الاعتراض على الاتفاق بشكل رسمي”.
“تمسّ بنود الاتفاق جوهر الشخصية والهوية الفلسطينية سياساتياً” يقول جبر، “نعاني منذ فترة طويلة في المخيمات من تقلصات تحدث تدريجياً بحجة الموازنة، وهذا انتقاص من حقوق اللاجئ وضرباً لوظيفة الأونروا التي أنشأت لخدمة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين تحديداً. لدينا مشاكل في الشؤون الاجتماعية على مستوى الخدمات التي تقدمها الوكالة بسبب تقلص الخدمات يومياً.
التقليصات حدثت منذ سنوات تدريجياً في الطرق التموينية المقدمة للاجئين، كان مطعم تابع للوكالة ألغوه، الوكالة تقلص بالعلاج للاجئين، وأصبح العلاج على حساب الناس. كذلك لم ترمم الوكالة منازل في المخيم منذ عام ونصف تقريباً. لقد ألغي برنامج الوكالة المخصص للترميم”. مضيفاً: “كانت الوكالة توفر القرطاسية كاملة والحليب وكبسولات زيت السمك. نفتقد اليوم هذه الخدمات البسيطة”.
فيما يتعلق بالحيادية، طلبت الوكالة محي رسومات رمزية تتعلق بالعودة مثل (المفتاح) والكوفية وعلم فلسطين وأسماء القرى المهجرة عن مدرسة ذكور جنين التابعة للوكالة في المخيم.
أيضاً “اعترضت مرة الوكالة على علم فلسطين رفع على أحد مراكزها عند استقبال أحد الأسرى المحررين. هذه الاعتراضات سابقة من نوعها وأصبحت واضحة في الستة شهور الأخيرة. يرسلون عادة مدير “الحيادية” من طولكرم للاعتراض على هذه الأمور”. موضحاً أن “الوكالة تفرض الحيادية على مؤسساتها، وليس على المواطنين”.
“نحن لا نقبل التمويل المشروط على حساب كرامتنا. أي مواطن في المخيم يرفض ذلك” وحمّلوا المسؤولية للوكالة في إيجاد حلّ للتمويل المشروط. “نحن نتخوف من تنصل الوكالة من دورها تجاه المخيمات، خاصة في ظل نسبة عالية من البطالة بين الشباب وغالبيتهم في خانة “المنع الأمني””.
“لم نتوصل بردّ على اعتراضنا، لكن سجلنا موقفنا أيضاً في الأمانة العامة بعد زيارة مبعوث الأمم المتحدة للمخيم وقدمنا له اعتراضنا”.
دعوات لازاريني ..”لا لتسيس الوكالة”
وقع المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني الاتفاقية مع وزارة الخارجية الأمريكية في آب/ أغسطس الماضي لاستئناف الحصول على دعم أميركي للوكالة بقيمة 135 مليون.
لقد وجه المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني من العاصمة الأردنية عمان، منذ أيام، رسالة إلى موظفي الوكالة عن طريق اتحادات الموظفين في المناطق الخمس، يقول إنه “وضع الأونروا المادي لا زال صعباً، وذلك في ظل غياب أي مؤشر على أنّ وكالة الغوث ستتمكن من تغطية التكاليف لما بعد شهر تشرين الأول/ أكتوبر”.
وحول اتفاق “الإطار”، قال لازاريني بأنّه لا يفرض على “أونروا” أي شيء لا ينسجم مع ولايتها وقيمها ومع المبادئ الإنسانية، بما في ذلك إطار الحياد الذي يشغل مكانة مركزية بالنسبة لاستمرار الوكالة في تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين.
لجنة الدفاع عن حق العودة من جهتها قالت إن “الإدارات الأمريكية السابقة وإدارة الاحتلال سابقاً تجفيف مصادر المساعدات المقدمة للأونروا، باتهامها بالفساد ومحاولة الضغط على الحكومات من أجل عدم تجديد الولاية، باعتبارها منظمة تخلد قضية اللاجئين ورواية حق العودة “.
وأكدت اللجنة على رفضها لاتفاق الإطار غير القانوني والذي يشكّل انتهاكاً واضحاً وصارخاً للقانون الدولي وانتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة ولقرار الجمعية العامة المنشئ لها وحتى للدستور الأميركي نفسه.
وطالبت المفوّض العام فيليب لازاريني الذي وقع الاتفاق بضرورة التراجع عنه وتوضيحٍ عام ومفصل حول هذه الوثائق وحيثيّات توقيعها.
لكن المفوض دعا اتحاد العاملين “للعمل بشكل أوثق مع قيادة “أونروا” من أجل أن تبقى الوكالة قوية في وجه الهجمات المستمرة على ولايتها… وعدم إعطاء خصومنا أسباباً لجرنا إلى السياسة والتسيس…”.
وتعهّد لازاريني بأنّه سيقوم بمراجعة التوصيات النهائية بجدية، و”سأضطر إلى التطرق في ردي إلى الوضع المالي الدقيق الذي توجد فيه “أونروا” وضرورة أن تظل القرارات محايدة من حيث التكلفة”.